محمد شريف الجيوسي
جريدة الدستور
اتخذت روسيا مؤخراً موقفا أكثر وضوحاً وحزما بشأن المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، معلنة رفضها الاعتراف به كممثل شرعي وحيد لليبيا أو كحكومة شرعية لها،منوهة باستعدادها للتعامل معه كطرف في مفاوضات تقرر مستقبل ليبيا. منتقدة اعتراف مجموعة الاتصال في اسطنبول بالمجلس كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي، باعتبار أن ذلك محاولة لعزل طرابلس رسمياً، موضحاً رفض موسكو (طريقة العزل كحل للصراعات).
وحسم موقف روسيا الأخير ما رددته مصادر غربية عن وجود اختلافات بين الرئيس الروسي مديديف ورئيس الوزراء بوتين حول الموقف من ليبيا. بل إن موقف روسيا الرافض لاتخاذ قرار في مجلس الأمن ضد سورية، ينطلق في جانب منه إلى الدرس الذي تلقته جراء موافقتها على قرار بحماية المدنيين الليبيين، ليتحول إلى قصف لهم وتدخل فظ في الشأن الداخلي الليبي وتغليب طرف على آخر ما قد يؤدي إلى حرب أهلية وتقسيم ليبيا واستعمارها مجدداً.
لقد أثبت الصراع في ليبيا أن نظام حكم القذافي رغم مهادنته واشنطن والعواصم الأوروبية الرئيسة وارتكابه أخطاءً بعد احتلال العراق 2003، إلا أنه لا يقع في اليد الأمريكية لكي ينطبق عليه ما انطبق على بن علي ومبارك حتى يؤمر فيطيع (..) وينسل لتمكين واشنطن ترتيب أوراقها بأقل الخسائر، فما أتهم به القذافي من تجنيد مرتزقة والاتصال بالصهاينة، صنع المجلس الانتقالي ما هو أسوأ منه بإشراكه واشنطن وباريس والنيتو في شأن ليبيا الداخلي وخلق مقدمات وضعها تحت وزر انتداب جديد أكثر عصرنة ولؤما وإمكانيات وقدرة على التضليل.
من الواضح أن درس ليبيا جعل موسكو تدرك حقيقة المطامع الإمبريالية، وما يحاك ضد سورية، وضد روسا أيضاً، وهو ما أدركته بكين بوضوح وحزمٍ اقل، بل إن مكونات الإدارة الأمريكية بدت مختلفة بينيا في طريقة التعامل مع سورية، كما تباينت مواقفها بكليتها بين حين وآخر في أسلوب التضاد مع دمشق، فواشنطن بكشفها لأوراقها فضحت المتآمرين معها، فتكرست عزلتهم، واليقين بصحة موقف سورية النظام والشعب والموقف، فليس من وصفة أسوأ لوصم جهة ما من ان تقف أمريكا وعواصم الغرب الرئيسة والصهيونية، معها.
وفي آن فإن لجوء واشنطن إلى مغازلة دمشق، والمطالبة بتدخلها في حل ملفات إقليمية، في حين لا تعمل دمشق إلا وفق مصالح شعبها والمقاومات العربية، ما يمنحها قوة على قوة. يربك واشنطن ومن معها بالطريقة التي يمكن من خلالها جر سورية إلى مربع التبعية، ذلك أن دمشق كما قال جورج حدادين في حديث لجريدة الوحدة الأردنية هي البلد الوحيد في العالم الثالث غير المدينة لمؤسسات المال العالمي، والتي تتوفر على ميزان مدفوعات يميل لصالحها، فإخضاع إرادتها غير متوفر اقتصاديا، وتحظى بتحالفات وصداقات إقليمية ودولية حميمة مترابطة المصالح لا يمكن اختراقها (..) فضلاً عن نوع متين من الحكم ممتد شعبيا، على طريقتها، وهو ما شوهدت تعبيراته مؤخراً، فضلاً عن أن شعب بلاد الشام منذ أزل التاريخ توحده وتجذره التحديات والمخاطر والتدخلات الخارجية، وهو ما حدث ويحدث.
لقد بلغ التخبط الأمريكي حد التنصل من تصريحات كلينتون، بالقول أنها ارتجالية، وان زيارة السفير الأمريكي لمدينة حماة السورية كان تصرفاً فرديا دون الرجوع للإدارة الأمريكية.
لقد فشلت أمريكا والاتحاد الأوروبي والصهاينة حتى اللحظة في إسقاط النظام الليبي رغم كل القصف وآلة الدمار الوحشية والتحشيد الإعلامي وغطاء الجامعة العربية وقرار مجلس الأمن وتصريحات القذافي وولده سيف الاستفزازية بداية الأحداث؛ التي استثمرت على نحوٍ قذر ورغم تفكك بعض مؤسسات النظام جراء التضليل الإعلامي وأخطاء ارتكبت.
ومع ذلك فالوضع السوري مختلف لأسباب أشرنا لبعضها، ومنها أيضاً أن الرئيس السوري بشار الأسد شاب مختلف عن معظم القيادات العربية تنوراً وعمراً وفترة زمنية في الحكم، ففي حين تراجعت أنظمة عربية بعد احتلال العراق عن التزاماتها القومية، تجذّر النظام السوري قومياً؛ ممانعة ومساندة للمقاومة، وأعيد النظر في العقيدة العسكرية السورية بعد الحرب الصهيونية العدوانية على المقاومة اللبنانية في تموز 2006 وأسست هيئة شعبية لتحرير الجولان، لم يتحدث الإعلام عنها كثيرا كاستراتيجية سورية في الإيجاز الإعلامي.
ليس متوقعا أن تحقق الإمبريالية كل اهدافها في ليبيا، حتى بعد التوقيت المحدد في أيلول المقبل. ومؤكد أن الإمبريالية لن تحقق أيا من أهدافها في سورية.. بل إن سورية الآن أقوى من قبل، وفي الأسابيع والشهور المقبلة ستكون أشد قوة بشعبها باستكمال الإصلاحات التي تعمل على تحقيقها بخطة متزنة راسخة عميقة، يلتف حولها شعبها، إصلاحات تبني على ما سبق، ولا تهدم أو تتّبع هوى ومصالح أعدائها، وإنما مصالحها الوطنية والقومية والإيمانية والإنسانية.
التاريخ : 22-07-2011