كلما حاولنا الكتابة عن قرية أو مدينة من الجولان الحبيب، ونحن نعود بالذاكرة إلى ما قبل العام 1967 أي ما قبل الاحتلال، نجد صورة تلك المدن والقرى ماثلة أمامنا.. نتذكر الأرض الطيبة المعطاءة.. الأشجار.. الهواء النظيف غير الملوث.. التناغم مع بنات جيلنا...
[img][/img][list=1][*]
الحصاد الوفير.. المزروعات بكل أنواعها ومسمياتها.. الينابيع التي يعادل الماء الجاري منها أي ماء في العالم... نتذكر كيف كنا نقوم بدراسة الحبوب على الألواح والأحصنة.. نتذكر كل شيء يدب على أرض الجولان لأنه الانتماء إلى الأرض والخبز هذا الانتماء الذي لايعادله انتماء... انتماء للوطن وحبه الذي لا يعادله حب... نتذكر النسيمات التي كانت تأتينا من أرض فلسطين الحبيبة، نسيمات وإن كانت باردة جداً لكن لا يعادلها نسيمات في الدنيا..
تلك هي الذاكرة التي نتحدث عنها في كل عدد من أعداد صفحتنا هذه، اليوم سنتحدث عن موقع جميل كان منذ زمن بعيد يستخدم كمكان استراحة للقوافل المغادرة من سورية إلى فلسطين، وابناء الجولان يطلقون عليه اسم «الجمرك» والتسمية جاءت كما قلنا كونه كان يستعمل كمركز لتفتيش القوافل المغادرة... وهو لا يبعد عن الحدود مع فلسطين أكثر من خمسة كيلو مترات.. يقطن حوله بعض البيوتات التي كانت تقدم بعض الخدمات في السابق للمغادرين، وفيه أشجار الكينا الشامخة شموخ الجولان، بناء هذا الجمرك من الحجر الأسود القديم لأنه كما قلنا يعود لفترة زمنية بعيدة جداً..
«الجمرك» منطقة جميلة.. تقع على الطريق الواصل ما بين مدينة القنيطرة ومدن وقرى القطاع الأوسط والجنوبي، والشمالي، وهو بالتالي كما قلنا محطة لاستراحة المغادرين والقادمين من مدينة القنيطرة إلى باقي المناطق وخاصة المسافر إلى قرية البطيحة المحاذية لبحيرة طبرية.
يقع موقع «الجمرك» على تلة مقابلة لفلسطين المحتلة، فمن على المبنى تستطيع مشاهدة كافة مدن وقرى القطاع الشمالي لفلسطين، ومن خلال هذا الموقع المهم للجمرك، كانت هناك محاولات إسرائيلية عديدة لاحتلاله قبل عدوان 1967، لكن كل المحاولات كان الرد عليها عنيفاً وقاسياً من قبل قواتنا المسلحة، إضافة لعناصر «الحرس الوطني» الذي كان متواجداً آنذاك على الحدود لصد أي عدوان صهيوني على أراضي الجولان الحبيب.
«الجمرك» مكان يجمع ما بين الماضي العريق من خلال الآثار التي تنتشر حوله وما بين الحاضر المشرق الذي يبشر بزوال الاحتلال آجلاً أم عاجلاً، ويعود لهذا المكان موقعه المهم في التجارة والسفر ما بين مناطق جولاننا الحبيب... بالمناسبة أتذكر وأنا اخط هذه الأسطر واقعة حصلت قبل الاحتلال الصهيوني للجولان تتمثل في محاولة بعض العناصر الصهيونية الدخول إلى الموقع، لكن الأبطال من أبناء الجولان الصامد، ومن أفراد قواتنا المسلحة واجهوا هذه القوة وارغموها على الانسحاب موقعين فيها اصابات، يومها زغردت النساء للابطال الذين صمدوا بما لديهم من معدات واسلحة تلك القوة الإسرائيلية المدججة بأحدث الأسلحة آنذاك.
و«الجمرك» يطل على سهول خصبة لقرى علمين والسنابر، وأبو فوله وغيرها من القرى الواقعة في القطاع الأوسط والشمالي، ونتذكر اليوم تلك الأشجار التي كنا نتفيء بظلها عندما نكون متعبين ونحن ذاهبون إلى الطاحونة التي تتواجد في قرية كفر نفاخ حيث الطريق اليها من ذلك الموقع.. كنا والعناصر التي تحرس الجمرك في حالة صداقة ومحبة وأخوة، وإن كان غالبيتهم ليسوا من أبناء قرانا انما طبيعة ابناء الجولان كما بقية ابناء سورية، على المحبة يلتقون وهذه شكلت نوعاً من خصوصية التعامل بيننا وبين عناصر الموقع.... هذا الموقع الذي ينتظرنا بفارغ الصبر كي نعيد له مكانته وحريته التي يحتجزها المحتل الغادر، ولن يطول هذا اليوم..