مجزرة الدوكة (كفر عاقب)
أولى المجازر التي ارتكبها برابرة القرن العشرين في الجولان كانت صباح يوم 2/11/ 1955، في قرية الدوكة الواقعة في منطقة البطيحة، على ساحل بحيرة طبريا الشمالي الشرقي.
وقرية الدوكة هي تسمية حديثة لمدينة قديمة اسمها كفر عاقب، ذكرها شاعر العرب الكبير أبو الطيب المتنبي، في معرض حديثه عن محاولة اغتيال دبرها له كافور الإخشيدي بعد أن بالغ في
هجائه، ومما قاله المتنبي:
أتاني وعيدُ الأدعياء وأنـهــم
أعَدّوا ليَ السودان في كفر عاقـبِ
ولو صدقوا في جدهم لحـذِرتهم
فهـل فيَّ وحدي قولهم غير كاذبِ
كان الهدف من مجزرة الدوكة إدخال الرعب في قلوب أهالي هذه القرية، التي يمتهن سكانها إضافة إلى الزراعة صيد السمك، وجعلهم يفرون مفارقين مياه البحيرة التي بنوا علاقة معها منذ قرون وقرون، ثم بعد ذلك الانتقال إلى قرية المسعدية الواقعة إلى الشمال منها، وتنفيذ مخطط إبعاد السوريين عن مياه طبريا، لكي تكون بحيرة إسرائيلية خالصة!!
ولذلك، وبعد أن انتهى القتلة من تنفيذ مجزرة مروعة في مخفر الكرسي إلى الجنوب من الدوكة، وبعد أن قصفوا القرى الأمامية القريبة من البحيرة مثل شكوم وسكوفيا وفيق وكفر حارب، دخلوا إلى قرية الدوكة، وجمعوا من استطاعوا من أبناء القرية، واختاروا منهم مجموعة مكونة من عشرة أشخاص تسع رجال وامرأة واحدة. وتماماً كما يفعل القتلة المدربون، أمروا الضحايا بالوقوف على نسق واحد على مرأى ومسمع أبناء القرية، ثم بدأوا بإطلاق النار عليهم من الخلف في ظهورهم، فاختلطت صرخات الموت بعربدات المجرمين، وسقط الشباب والفتية والمرأة الوحيدة مريم عوض الكريم، صرعى مضرجين بدمائهم الزكية الطاهرة، وقام قائد فرقة الإعدام الصهيونية بإطلاق (طلقة الخلاص) على رؤوس الضحايا، ومع ذلك نجا شابان أحدهما سليمان محمود العلي، الذي أصبح فيما بعد مختاراً لمخيم الوافدين وشاهداً حياً على هذه المجزرة التي ما تزال آثارها في جسده وعلى رأسه.
مجزرة سكوفيا
ارتكبت إسرائيل كما ذكرنا جملة من المجازر والأعمال العدوانية في الجولان قبل احتلاله في حزيران عام 1967، فبعد مجزرة الدوكة في منطقة البطيحة، ارتكبت إسرائيل مجزرة بحق قرية سكوفيا، لا تقل بشاعة عن مجزرتي دير ياسين أو كفر قاسم في فلسطين المحتلة أو بحر البقر في مصر العربية، إذ قصفت طائرات العدو حياً سكنياً من أحياء القرية، ودمرته بالكامل على من كان فيه من النساء والأطفال والشيوخ، وبلغ عدد الضحايا 25 بين شهيد وجريح.
وقرية سكوفيا التي تتربع فوق تل يشرف على بحيرة طبريا إلى الشمال من مدينة فيق، عريقة في القدم، إذ كانت تتبع لمدينة سوسيا أو هيبوس كما تسمى باليونانية، وهي إحدى المدن العشرة (الديكابوليس) التي لعبت دوراً مهماً في الحقبتين الإغريقية والرومانية- البيزنطية.
وهذه القرية التي عثر فيها على كنيسة قديمة تعود إلى الحقبة البيزنطية، استمدت اسمها (سكوفيا) من الكسيح الذي شفاه السيد المسيح عندما مر بها مختتماً جولته في منطقة الديكابوليس. فاسم سكوفيا باللغة الآرامية السريانية يعني الكسيح!. وقد عانت سكوفيا، شأنها في ذلك شأن جميع قرى الجولان الأمامية، في ذلك الزمن من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فقد قُصفت عام 1948 مع قرية فيق بالطائرات، وراح ضحية ذلك عدد من الشهداء والجرحى، كما تعرضت لاعتداءات متكررة أثناء الغارة الإسرائيلية الكبرى على شاطئ طبريا الشرقي عام 1955، وقصفت أثناء معركة التوافيق الشهيرة عام 1960 وأثناء معركة تل النيرب عام 1962.
أما الضربة الموجعة التي تلقتها هذه القرية المكافحة فكانت مجزرة بشعة وقعت بتاريخ 7/ 4/ 1967م، إذ أغارت طائرات إسرائيلية على حي سكني من أحياء القرية ودمرته بالكامل. وقد استشهد نتيجة هذا القصف 13 مدنياً وجرح 13 آخرون، بينهم نساء وأطفال وشيوخ
والشهداء هم: 1- مصطفى الهزاع، 2- عبد الرحمن مطلق الفياض، 3- علي عبد الله عبد الغني، 4-حسين علي عبد الله عبد الغني، 5- محمد أحمد الهزاع، 6- محمد عبد الوهاب الرهبان، 7- عيسى ذياب الحسن، 8- مصطفى صلاح الحسن، 9- عمر حسن العمران، 10- محمد سالم الحسين، 11- إبراهيم حسن الفياض، 12- حكمت حسن صالح الفياض، 13- صباح حسن صالح الفياض.
أما الجرحى فهم: 1- فياض كريم الفياض، 2- عبد الكريم محمود الهلال، 3- هاني مصطفى الهزاع، 4- أحمد مطرود العلي، 5- محمود عبد الغني المطلق، 6- حافظ الدرغام، 7- فواز عبد الله عبد الغني، 8- خالد الصلاح، 9- ناجية أحمد العلي، 10- عائشة مصطفى الزعرور، 11- حاجة البرهومي، 12-محمد محمود الأسعد.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي في 10 حزيران 1967 رفض أهالي سكوفيا، شأنهم شأن معظم أبناء الجولان، الرحيل عن قريتهم وأصروا على التشبث بترابها، وقد حاولت قوات الاحتلال إجلاءهم عنها بمختلف السبل، فهددتهم بالقتل لكنهم رفضوا الرحيل، وبعد أسبوع من الأخذ والرد، جمعت قوات الاحتلال 38 رجلاً وشاباً مدنياً من القرية، وأرادت أن تنفذ فيهم مجزرة، كي تجبر الأهالي على الفرار طالبين النجاة بأرواحهم وأرواح أطفالهم.
ولكن مشكلة تقنية حالت دون تنفيذ المجزرة الثانية بحق أهالي سكوفيا، فاكتفت باعتقال الذين ساقتهم للإعدام، وقد أسروا في معتقل عتليت قرب حيفا وعوملوا أسوأ معاملة. وظلوا في الأسر عدة أشهر حتى خرجوا في عملية تبادل الأسرى التي تمت في ذلك الوقت.
أما العائلات التي أصرت على البقاء، فقد قامت قوات الاحتلال بحملها على الرحيل تحت تهديد السلاح.. ومع ذلك بقي رجل عجوز هناك يدعى أحمد التوهان، في العقد السادس من عمره، مصمماً على العيش وحيداً في قريته مهما كانت النتيجة. وبعد سنوات عديدة، أبعدت قوات الاحتلال هذا العجوز من القرية مرتين بسبب إيوائه الفدائيين في غرفته، ولكن كان يعود إلى القرية متحدياً المحتلين، الذين عذبوه في آخر مرة تعذيباً وحشياً أدى إلى فاته.
لقد كان الهدف المعلن من وراء هذه الاعتداءات المتكررة التي كانت تحصد الفلاحين وصيادي السمك ورعاة الأبقار، إدخال الرعب إلى قلوب الجولانيين ودفعهم إلى مغادرة قراهم وأراضيهم المحاذية لفلسطين المحتلة، تمهيداً لقضمها وضمها إلى دولة الكيان المصطنع. ولكن أبناء الجولان تحدوا هذا المخطط بوعي فطري، وكانوا يمارسون حياتهم كالمعتاد، غير عابئين بالجرارات المصفحة (!) التي كانت تحرث الأراضي المجردة من السلاح، بغية فرض الأمر الواقع عليها، ولا بالزوارق الحربية التي كانت تجوب بحيرة طبريا محاولة منع صيادي البطيحة من كسب لقمة عيشهم. ولذلك وقعت معارك بين قواتنا المسلحة وقوات العدوان، كانت الغلبة فيها لقواتنا، وخصوصاً في معركتي التوافيق وتل النيرب، التي تكبد فيهما العدو خسائر بالغة، وفشل في تحقيق أهدافه. وهكذا كان ينتقم من المدنيين بشتى الوسائل، ومنها ارتكاب المجازر.
وبعد عدوان حزيران عام 1967 واحتلال قواته أراضي الجولان، فوجئ جيش الاحتلال الإسرائيلي بصمود الأهالي وإصرارهم على البقاء في قراهم ومدينتهم القنيطرة، فقام بمجموعة من الممارسات الوحشية التي يعجز القلم عن وصفها، لما تنطوي عليه من وحشية وسادية قل نظيرها في تاريخ الأمم، وقام بقتل العشرات، بل أكثر من مئة من المدنيين في مختلف قرى الجولان ومدينة القنيطرة، وذلك لدفع من بقي على الفرار بجلده!.
وهذه عينات من بعض ما فعل:
وقعت هذه المجزرة بعد أيام من احتلال الإسرائيلي للجولان في حزيران 1967م، عندما أصر أبناء قرية الدردارة (الذيابات) التي تقع في منطقة البطيحة على البقاء في بيوتهم وأرضهم، ولكن قوات الاحتلال الإسرائيلي قامت بتجميع عدد من الشبان ونفذت فيهم مجزرة جماعية على مرأى من أبناء القرية، وهو ما دفع الآخرين لمغادرتها على الفور.
والشهداء هم: 1- موسى أحمد شحادة، 2- محمد محمود الذيب، 3- محمد ذيب الأحمد، 4- قاسم محمد شحادة، 5- علي حميد الذيب، 6- نايف ذيب المجبل، 7- خالد ذيب الأحمد، 8- سليمان عوض الفندي، 9- حسن يوسف ذياب، 10- محمد حسين العلي، 11- عوض صالح هلال.
مجزرة الخشنية
وقعت مجزرة الخشنية، وهي قرية ومركز ناحية في وسط الجولان، بعد أن أصر سكانها على البقاء في أرضهم رافضين النزوح عنها، فما كان من قوات الاحتلال الإسرائيلي إلا أن نفذت مجزرة مروعة جلا على إثرها سكان القرية، الذين رأوا بأعينهم مشاهد الإعدام والتمثيل بالجثث، إضافة إلى قصف القرية بما يزيد على 85 قنبلة دمرت القرية تدميراً كاملاً.
و قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بوضع جثث الشهداء على فوهات مدافع الدبابات، وطافت بهم في شوارع القرية، كما قامت بإطلاق النار على الشهداء بعد ساعات من استشهادهم والتمثيل بجثثهم.
وروى لي بعض شهود العيان الأحياء، كيف كانت أدنى حركة في البيوت كفيلة بإطلاق النار عليه وقتل الشخص الذي بدرت عنه، ولو كان هذا الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد استشهد في هذه المجزرة نساء ومتخلف عقلياً وعدد من الشبان، ووصل العدد إلى عشرين شهيداً، منهم اثنان من اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا في القرية، ومنهم أيضاً بعض المقيمين في القرية من أبناء قرى أخرى في الجولان.
وعرف من الشهداء: 1- أبو بكر علي شيشة، 2- أحمد قات، 3- حقي عزيز سلمن يوقة، 4- صبري رجب قرموقة، 5- صلاح عزيز، 6- عائشة حاج ميرزا، 7- عبد اللطيف تيوفة، 8- علي هارون قوموق)، 9- محمد تيوفة، 10- وصفية (زوجة أحمد ينم) 11- ستناي ( زوجة هارون قوموق، 12- فاعور القبسي (فلسطيني)، 13-سعدو القبسي (فلسطيني)، 14-خالد العرسان، 15-محمد سعيد كبسون، 16-محمد أبو عمشة، 17- حميد (متخلف عقلياً).
مجزرة القنيطرة
وقعت هذه المجزرة بعد أن قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة القنيطرة بخمس قنابل زنة الواحدة منها 500 كغ، وقد استشهد إثر ذلك عدد كبير من المواطنين وجرح عدد آخر. وعرف من الشهداء المدنيين: 1- أحمد خليل زنداقي، 2- أحمد بدري طوموق، 3-إسماعيل محمد عيسى وبي، 4- سليمان عبد الحميد وبي، 5- عمر نوري إبش، 6-محمد عيسى وبي، 7-عبد الحليم وبي.
وإضافة إلى هؤلاء جميعاً، ثمة أسماء كثيرة لم أتمكن من حصرها، ففي كل قرية من قرى الجولان قتل المعتدون مدنياً أو مدنيين بدم بارد، ومع ذلك لم يتمكنوا من إجلاء من تبقى من السكان إلا بعد أكثر من ستة أشهر