ثغرات
الكتابة عن موضوع (أدب جولاني) لم تكن محض صدفة أو بعض إثباتات لينال هذا الأدب شهادة متواضعة الكلمات، وليست تسويقا أو إعلاما لأدب مصنف حسب الأمكنة أو إلى مكان صغير نسبيا، فصغر المكان لا يعني قلة جودة إبداعاته وفنونه بل المقصود أن المكان لا يصنع أدبا أو فنابل الموهبة هي المبشرة والمباشِرة لترسيخ حضارات وإبداعات الشعوب ثم الثقافة العامة التي تبني رؤية جديدة وجديّة لطالبها.
الأدب الجولاني فيه الممتاز ولا يخلو من بعض الرديء ككل أدب آخر، والهدف هنا ليس تصنيف جودة الأدب بل إضاءة ضيقة لأدب يحتاج إلى البزوغ والى النور الخارجي ليرضع من هذا النور ما تجلّى منه من زبد ثقافته وزبد فكره فتشتد شُهرته نحو مسارب الآداب العالمية الأخرى التي لا تزيد جودة عنه، فالأدباء في الجولان ورغم قلتهم القليلة اثبتوا أن باستطاعتهم الكتابة الروائية والشعرية والقصصية والنقد والمقالة حتى كتابة أصعب أنواع الأدب التي تحتاج إلى فنّ مميز وسرد قصير وسرعة خاطر وعمق فكره ثم غزلها في بضع كلمات كالقصة القصيرة جدا، فالذي ينقص الأدب الجولاني فقط هو الإعلام الصحيح والناقد الجادّ الذي ما زال غائبا، ثم القارئ الجيد من خارج الجولان ليحمل فكر ما يخطه الكاتب الجولاني، فالأدب نفسه كأدب فيه من الثقافة ومن التجربة ومن الممارسة لا يقلّ عن أي أدب آخر، وفيه ما يكفي لنقل صورة جميلة نحو الأدب العالمي المعاصر.
تبويب
بعض المواقع الجولانية تقوم بتصنيف الأدب تحت عنوان (أدب جولاني) أو ب.. (أقلام جولانية) وغير ذلك، باعتقادي ربما لترسيخ اسم هذا الأدب أو إعداده لكينونة مستقلة جديدة نسبة إلى المكان الذي له قضاياه ومشاكله وحسناته وسيئاته كأي بقعة أخرى على الأرض، أو ربما أتى هذا التبويب عن ظهر قلب دون أي قصد أو غاية لهذا التصنيف، لكن ما لفت نظري هو إهمال بعض المواقع للزاوية الأدبية فلا تعير للأدب أي اهتمام بل تزج المواد الأدبية بين الأخبار والمقالات وأحداث الساعة وكأن نشر النص هو مجاملة لصاحبه وليس كفنّ جميل يستأهل تسليط الضوء عليه مما يقلل من قيمة النص أو من عدد قراءاته رغم إيماني العميق بان الإعلام لا يُنتج كتّابا أو ثقافة بل يُعتبر جسرا للتواصل بين الحدث والقارئ، فالثقافة هي زبد فكر وعلم يجمعها الإنسان من خلال اطلاعه.
أدب جولاني
رغم ذكري لهذا المصطلح في أرجاء هذا المقال إلا أني انفر من تصنيف الأدب إلى مكان على الرغم ما فيه من منطقية مدعومة، وخصوصا إذا كان بقعة صغيرة كالجليل أو الجولان أو الكر مل وغير ذلك، فالتصنيف المكاني ليس عادلا فهنالك الكثير من الكتّاب من أصل جولاني يقيمون في مناطق مختلفة بعيدا عن الجولان والعكس أيضا هو صحيح، فرغم احترامي لكل منطقة مما ذكر أعلاه واحترامي لخصوصيات كل بقعة بما فيها من القضايا ما يكفيها لإنتاج أدب مغاير إلا أن المكان ليس حالة أدبية بل أكثر منه حالة سياسية وانتماء.
أما الحالة الأدبية فإنها تستطيع أن تحمل ألف مكان من الجولان إلى الصين وما أكثر من ذلك، فعندما نقول أدب جولاني أو أدب فلسطيني أو أدب لبناني يتراءى للقارئ حالة سياسية أكثر منها حالة فنية والقارئ هو الحاكم في النهاية.
للأدب عهدة تصنيفات منها إلى الزمن كالأدب الحديث والأدب القديم أو أدب القرون الوسطى. ومنها إلى الشعوب ذاتها كالأدب الصليبي أو العباسي ومنها إلى المكان كالأدب الجولاني أو الفلسطيني أو الأمريكي ، أما التصنيف الذي أراه اصحّ التصنيفات فهو تقسيم الأدب إلى أنواعه كأدب الفانتازيا أو الأدب المترجم أو القصصي أو الروائي والفلسفي وغير ذلك. أما فيما يتضمنه هذا الأدب من قضايا فهي تعود لكيان الكاتب وإيمانه ومعتقده. كما نوهت أن مصطلح أدب جولاني هو كنية عن المكان وليس بالضرورة أن يحمل الهموم الجولانية فحسب فهو يستطيع استيعاب أي همّ إنساني في أية بقعة كانت، فالأديب أو الكاتب ليس تاجرا عليه تسويق قضية المكان فقط بل جمال وجماليات وطبيعة وطفولة ودهاء وبراءة وواقعية وفانتازيا وجنون.
كمّ وجودة
الجولان يفتقر إلى الكمّ في عدد الكتّاب والكاتبات لكنه لا يفتقر إلى القلم الجاد والقلم المثقف وصاحب الموهبة وأنا مع المقولة بالجودة لا بالكمّ فعندما تتصفح الزوايا الأدبية بأقلام جولانية تجد أن الكاتب الجولاني لا يكتب من فراغ بل من فيض موهبة وفيض حاجة ماسة للكتابة أما إصدار الكتب الأدبية في الجولان يكاد يكون نادرا لأسباب اجهلها.
لا أريد القول أن الكاتب الجولاني لم يجد من يرعاه بعد لأنه راع لنفسه بنفسه وهذا ما ينتج الأدب الجاد.
تعتيم اعلامي
نادر ما ترى في المواقع غير الجولانية مادة لكاتب أو أديب جولاني ونادر أيضا ما يبحث أصحاب المواقع غير الجولانية عن مواد لكاتب جولاني لنشرها في مواقعهم وهذا ما يسبب ويزيد من حدة التعتيم حول هذا الأدب خارج الجولان
في النهاية أقول حبذا لو أن هذا الأدب يصنف بطريقة أخرى حسب نوعه ليلحق بموكب الأدب العالمي المعاصر فالروائي الجولاني يجد له طريقا نحو الرواية العالمية وكذلك القاص والشاعر ولا يبقى هؤلاء تحت وطأة المكانية ولا ندع المكان هو الذي يهيمن على الأدب ويحتكره ليكون أكثر حرية وأكثر إبداعا وفنا.