هناك داخل أروقة المخيمات والأحياء السورية داخل الوطن، أحاديثا وقصصا يرويها النازحين من أبناء الجولان المحتل ممن اقتلعوا من منازلهم وقراهم ومزارعهم. أحاديث قد تكون جديدة لم يسمع بها أحدا وخاصة أبناء جيلنا الذي كبر وترعرع بعد الاحتلال الصهيوني للجولان السوري المحتل مباشرة ،أو كما يطلق عليه كبار السن" جيل الاحتلال". هذه الأحاديث سمعنا عنها بحق أبناء شعبنا في فلسطين ولبنان والعراق . فكما يقول الدكتور والباحث تيسير خلف " اعتدنا أن نتذكر مجازر الكيان الإرهابي العنصري "الصهيونية" بحق أشقائنا المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين وحتى المصريين، ولم نشاهد أو نقرأ يوماً عن مجزرة واحدة وقعت في الجولان العربي السوري طيلة الفترة من عام 1948 وحتى عام 1967. فهل كان عدونا رحيماً بنا نحن أبناء الجولان لسبب نجهله، ومتوحشاً مع أشقائنا لأسباب نعلمها جميعاً، و نكررها صباح مساء على أسماع أطفالنا كي يحفظوها عن ظهر قلب؟
ما استوقفني اليوم في قضيتنا نازحي الجولان السوري المحتل، هو برنامج " الرحيل المر" على قناة الجزيرة الذي يسلط الأضواء على معاناة أبناء الشعب العراقي الفارين من جحيم الحرب في العراق إلى سورية في أكبر موجة نزوج للاجئين في الشرق الأوسط منذ النكبة الفلسطينية عام 1948.
الرحيل المر هو عنوان أخر لقضية عربية وقومية أخرى ما زالت تتكرر منذ التراجيديا الفلسطينية ومرورا بأهوال الحروب اللبنانية وحكاية التهجير السورية في الجولان المحتل وليس انتهاءً بالمأساة العراقية، الا ان قصة التهجير السورية في الجولان لم يكتب لها يوما ان تكون في دائرة الضوء الإعلامية والشعبية والسياسية، ولم تلق يوما اهتماما محليا أو عالميا أو حتى حقوقيا وإنسانيا، لما تحمله من مركبات ذاتية وموضوعية ساهمت في إبقائها طي النسيان والتعتيم.
منذ ما يقارب الأربع سنوات ومع انتشار واتساع شبكة الانترنت العالمية تسنى لي التحدث وعبر الانترنت مع عدة أشخاص معظمهم من" جيل الاحتلال " حسب تسمية وجهاء القوم، وكان لنا في مركز الجولان للنشر والإعلام أن نطلق مشروعا توثيقيا وحسب الإمكانيات المتاحة يحمل اسم " مأساة لم ترو بعد" لأرشفة وتوثيق تاريخ الجولان منذ عدوان حزيران عام 1967 بشكل خاص، وتسليط الأضواء على تاريخ وهوية وحضارة الجولان العربية السورية التي سادت في سهولنا وجبالنا وتلالنا ومروجنا الخضراء قبل إحتلال الكيان الإرهابي العنصري "إسرائيل"، إضافة الى المساهمة العملية والميدانية وعبر شهادات حية ووثائق متعددة في دحض أكذوبة الكيان الإرهابي العنصري "الصهيونية" بان الجولان كان مجرد ثكنة عسكرية سورية خالية من السكان المدنيين.
ومن الأمور العجيبة والغريبة انه وبعد أربعين عاما لم تلقى قصة تهجير السكان العرب السورين من أبناء الجولان اهتماما إعلاميا او محليا رغم ما تحمله من حكايات فظيعة لا تقل عن فظائع المأساة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، وما نجده عن هذه القضية الهامة في تاريخ صراعنا مع الكيان الإرهابي العنصري "الصهيونية" لا يتعدى مبادرات فردية توثيقية مباركة قام بها عددا من المهتمين في الشأن الجولاني أمثال الأستاذ تيسير خلف وعزالدين سطاس والدكتور المرحوم اديب باغ وآخرون لايسعني استحضار أسمائهم، ومن الجولان المحتل كان الأستاذ بشار طربية قد نوه في محاضرة له بمناسبة ذكرى أربعين عاما على احتلال الجولان في رابطة الجامعين حيث قال " بما يتعلق بالنازحين السورين في حرب حزيران 1967 ان قصتهم هي قصة مبتورة بأسوأ الأحوال، قصتهم ليست قصة لاجئين وليست قصة عربية ولا شرق أوسطية قصتهم قصة سوريين نزحوا او شردوا من قراهم ( تهجير داخلي). باعتقادي انه لا يمكن فهم قصه تهجير أبناء الجولان من قراهم ان لم نفهم قصة تهجير الفلسطينيين عام 1948 من وطنهم، لقد استغرقت الحركة الصهيونية 15 عاما بعد نكبة فلسطين لتدرك انه بدون تطهير عرقي شامل وكامل لا يمكن لها ان تحقق حلم الدولة العبرية. لأسفي الشديد جدا لم أجد اي دراسة او وثيقة او رواية علمية تحكي عن نازحي الجولان، أو أي مصدر يحكي عن قصة التهجير ، كيف ؟ ولماذا؟ وأين؟ وماذا حصل بالضبط؟ إن ما حصل في 1967 هو جزء من خطاب عام إرهابي عنصري عن التهجير ومن الأهمية لنا نحن ان نؤرشف قضية النازحين.