صامتون
التقى زهير صبري امرأة تشبه زهرة حمراء على غصن أخضر، فخبّرته بصوت مرتعش أنها تحبّه ولن تستطيع أن تحبّ غيره. فقال لها إنه لا يهتم إلاّ بمستقبله، فبوغت بصفعة مؤلمة تنهال على رقبته، فتلفت حوله، ولم ير الصافع.
وصُفع ثانية عندما قال لأحد الأثرياء إنه أعظم رجل أنجبته البلاد، ولم يرَ الصافع.
وصُفع مرة ثالثة عندما قبَّل بخشوع يد رجل ذي لحية طويلة مشعثة، ورجاه أن يدعو له، ولم يرَ الصافع.
وصُفع زهير صبري كثيرًا وفي كل يوم، من دون أن يرى الصافع المجهول. ولم يكلّم أحدًا عن تلك الصفعات السرية حتى لا يسخر منه ويتهم بالجنون، ولكنّه كان واثقًا بأنّ الناس أجمعين يصفعون مثلما يصفع ويلوذون بالصمت
///////////////////////////////
الشهادة
تباهت بهية أمام نساء حارتها بحفاظها على شرفها وشرف الحارة التي ولدت بها، وحكت ما جرى لها أمس عندما كانت تتنزه في أحد البساتين القريبة ، فالرجل المجهول الذي إغتصبها شَهَرَ سكينا تذبح جملاً، وأمرها أن تخلع كل ثيابها مهددا بقتلها إذا عصت أمره، فخلعت ثيابها ولكنها لم تخلع جواربها متحدية ً أمر الرجل وسكينه، فشهقت نساء الحارة معجباتٍ بها وبشجاعتها، وإنتشرن في البساتين عازمات النية على ألا يخلعن الجوارب أبدا .
////////////////////////////////
التصغير الأول
كان عبد الله الصبان رجلا ضخما طويل القامة عريض المنكبين، أُعْـتقل ليواجه إتهاما بأنه في كل لحظة يستنشق من الهواء أكثر من حصته المقررة، فلم ينكر، وأقرّ بأن السبب يرجع إلى أنه يملك رئتين كبيرتين هما وحدهما المسؤولتان، فأحيل بالحال إلى المستشفى ليغادره بعد أسابيع رجلا جديدا ذا قامة قصيرة وصدر ضيق ورئتين صغيرتين، يستهلك يوميا هواء يقل عن الحصة المخصصة له رسميا.
//////////////////////////////////////
باسم الحكومة
تجول أحد الصحافيين في الشوارع باحثا عن موضوع يكتب عنه ويصلح للنشر في الجريدة الحكومية التي يعمل فيها، فخطر له أن يكتب عن الفقر المتفشي، ولكنه تنبه إلى أنه موضوع قد يستغله خصم ما للادعاء أنه معاد للحكومة، ويلمح إلى أن تقصيرها هو المسؤول عن ازدياد الفقر.
وخطر له أن يكتب عن تكاثر حوادث الطلاق، فطرد الفكرة توا من رأسه حتى لا يتهم بأنه يتناول أمورا هامشية مهملا القضايا المصيرية.
وخطر له أن يكتب عن الشعر الحديث, فتمطى وتثاءب, وأوشك أن ينام وهو سائر. وخطر له أن يكتب عن أزمة السير، ولكنه اختار ألا يكتب عنها احتراما للسيارات الحكومية التي لا تتقيد بقوانين السير وتشيع الفوضى.
وخطر له أن يكتب عن الحرية، فقرر حالا أنها مسألة لا تستحق أي اهتمام ولا يؤبه لها.
وعندما أجهده المشي في الشوارع والتفكير، دخل حديقة عامة طلبا لقليل من الراحة، وجلس على أحد مقاعدها، فقال له المقعد بصوت متذمر:انهض عني، ما أثقلك.
فدهش الصحافي، وقال باستغراب: هذا عالم غريب... المواطن لا يتكلم والمقعد يتكلم.
المقعد: كأنك نسيت أن أساليب التنكر قد تطورت، والعلم الذي أوصل الإنسان إلى الفضاء قادر أيضا على تحويل مواطن من إنسان إلى مقعد.
الصحافي: هل تقصد أنك كنت إنسانا ؟
المقعد: ولا أزال إنسانا وموظفا حكوميا أيضا، ولكني أتقيد بما أؤمر به. أكلف بالتنكر في شكل مقعد، فأصير مقعدا، وقبل أيام طلب إلي التنكر في هيئة خروف لجمع معلومات عن الأمن الغذائي، وكدت أذبح، وفي يوم آخر تنكرت في هيئة صحافي، فلم أترك شيئا لم أنتقده، وكل من رحب بانتقادي كشف نياته السيئة واعتقل.
الصحافي: أنا صحافي، فما هو الفارق بيني وبينك؟
المقعد: إذا كنت حقا صحافيا في هذا البلد، فلا وجود لأي فارق بيننا.