المقاومة هي حقٌ طبيعي للشعوب المقهورة والمظلومة، وهي الخيار الوحيد المتاح لشعبنا، بالنظر إلى خصوصية «المعركة الكبرى» التي نخوضها في وجه عدو من نوع خاص يحمل مشروع إلغائنا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وعبثاً يحاول البعض من «المضلِلين» أو «المضلَلين» أن يوهمنا أن التسوية ممكنة مع هذا العدو، وأن فرص إقامة السلام «واقعية» و«حقيقية» مع كيان عنصري قائم ـ بحد ذاته ـ على ثقافة الإلغاء والتدمير والهدم بالمعاني المباشرة لتلك المفردات.
إن الثقافة الجديدة تنطلق من رحم الظلم الكبير، والمأساة الكبرى التي عاشها شعبنا على مدى عقود لم نشهد فيها الا ثقافة «النكبة» ، وثقافة «الانتكاسة» و لغة «الانكسار» باستثناء دماء الشهداء الذين أضاءوا ظلام الليل، وكانت علامات فارقة أنارت لأجيال الأمة الحاضرة والآتية دروب حريتها المضرجة بدماء الشهداء وعذابات الأسرى وآلام المجاهدين في سبيل الوطن والشعب.
كما سقطت على أرض الصراع كل الحدود التي أوجدتها الموجة الأولى من تقسيمات سايكس بيكو، كذلك ستسقط كل التقسيمات المستحدثة في الخرائط الملونة بالأزرق والأخضر والأحمر، والمليئة بالأسلاك الشائكة المزنرة بألغام التجزئة والتفرقة والتفتيت، تلك الخرائط الجيو ـ سياسية لجون بولتون وبول وولفويتز ورامسفيلد وغيرهم من «الحاقدين الجدد» على أمة الحضارة والهداية والتنوير، وكما سقطت الحدود الفاصلة بين أجزاء الأرض الواحدة، كذلك ستسقط الحدود الفاصلة بين أجزاء الأمة الواحدة، والمجتمع الواحد، والنسيج الشعبي الواحد الموحد في روحه، وإرادته، ووعيه، وثقافته، وهويته، هذه الأمة ستذهل أعداءها في صمودها، وفي جهادها، وستذهلهم في صبرها على الشدائد تأتي من كل حدب وصوب، وستؤدي حركة مقاومتها المتنامية المتزايدة إلى صنع المستقبل الجديد الذي تعبق منه رائحة الكرامة والعزة الحقيقية والسؤدد والشرف، وستؤدي هذه الحركة إلى تعميم ثقافة جديدة، هي ثقافة الحرية والسيادة والاستقلال الحقيقي في وجه الظلم والعدوان والاستكبار والطغيان.
مرت سنوات عديدة ونحن نلهث وراء اتفاقيات، في زمن لا تنفع فيه إلاّ المعادلات الصعبة التي يصنعها المجاهدون الأحرار في ميادين القتال ضد المحتل ، لتساهم في تعميم ثقافة المقاومة لتصبح ثقافة الأحرار في كل مكان في هذا الوطن، وفي كل مكان في هذا العالم العربي الكبير، المقاومة اليوم تبلورت لتصبح مشروعاً متكاملاً يملك مفرداته، ومصطلحاته، وله أدواته، وأسلوبه، وآلياته المتنوعة، التي تخدم تحقيق الهدف الواحد أي «الحرية». إن الطبيعة الوجودية لصراعنا مع الكيان الصهيوني، تجعلنا نتمسك أكثر بثقافة المقاومة ومنهج المقاومة وسلوك المقاومة، وهذه الحقيقة تدفعنا دفعاً لاستكمال بناء قدراتنا وتنمية إمكاناتنا في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الدفاع، وفي الثقافة، وفي العلم وميادين المعرفة والتقدم، فالمقاومة ليست فقط سلاحاً بل هي منهج حياة متكامل تسير عليه الشعوب لتحافظ من خلاله على وجودها وعلى قدرتها في مواكبة التحديات. المقاومة هي أيضاً مُناخٌ داخلي واسع رحب يحضن المقاومة، ويحصّنها ويقوّي مناعتها، ويقيم سقف حمايتها الأهلية، فالمقاومة ليست فصيلاً معزولاً عن شعبها، بل هي بنية أهلية وشعبية متماسكة تتناغم فيها الأدوار والأفعال في مختلف الميادين والحقول لتؤدي واجبها وتقوم بوظائفها في حماية الأمة والوطن... وتحصين المقاومة، يكون من خلال تعميم وتعميق ثقافة المقاومة.
- المقاومة ومهما تعددت الحوافز والعقائد والأفكار والدوافع التي تحرك شرائح من المجتمع لتأدية واجبها في «المقاومة»، فالحقيقة الدامغة هي أن المقاومة في جوهر صراعها، وقيامها، واستمرارها تمثل حالةً وطنيةً ذات طابع وطني وقومي، فالصراع من أجل تحرير الأرض لا يمكن أن يوضع في خانة أي صراع؛ بل هو صراع وطني بامتياز، وهو حركة تحرر قومي بامتياز.
المقاومة إذا هي وقبل كل شيء فعل قناعة بهذا المنهج في حماية الأوطان والدفاع عنها، والذود عن الأرض والشعب، وهي أيضاً سلوك وأداء راقٍ يحضن آمال الناس وتوقهم إلى الحرية.
قناعة الناس في جدوى المقاومة هي عامل مهم في تحصين المقاومة،
- المقاومة هي جزء من منظومة دفاعية تحتاج إليها أمتنا في كل كياناتها السياسية، وهي بالتجربة برهنت أنها تمثل قوة ردع حقيقية تحمي الشعب من غدر الأعداء، وفي الجولان أثبتت تجربة المقاومة رياديتها وقدرتها وأسقطت كل المقولات الانهزامية ـ الإحباطية التي تفلسف الضعف وتسوّغه، وتبقي الجولان أسير الخوف والقلق وفقدان الثقة بالذات، عملاً بالمبدأ الفاسد الفريد من نوعه في تاريخ الشعوب. أصبحت المقاومة جزءاً من الوعي الشعبي الوطني، فالشرعية الدولية تعكس توازنات قوى دولية ليست اليوم في مصلحة أمتنا ومصالح شعوب الأرض المستضعفة، وهي أي «الشرعية الدولية» لم تحم شعبنا ولم تقدم له لا ضمانة أمنية ولا سياسية، إنها مفارقات الزمن الحالي! ولكننا على يقين أن الأمن الحقيقي هو أمننا نحن، والأمان الحقيقي هو الذي نصنعه بأيدينا، وعبثاً نحاول الاتكال على الآخرين، فالحماية المثلى هي النموذج المقاوم الوطني الشعبي الذي أثبت جدواه في الحرب المفتوحة مع الكيان الغاصب.
إن المقاومة أصبحت اليوم فكرةً عالميةً تتبناها كل الشعوب والأمم الناهضة، وبدأت تتبدى معالمها في الواقع العالمي على شكل إرهاصات ونتوءات تمثلها مقاومات شعوب تتوزع على خريطة هذا العالم من أميركا اللاتينية، إلى أمريكا الجنوبية، من كوبا إلى فنزويلا إلى البرازيل، إلى كوريا الشمالية إلى الصين إلى روسيا مروراً بالقارة الأوروبية، وصولاً إلى ايران والعراق ولبنان وفلسطين.
فالمقاومة هي الطريق الاستقلالي التحرري الوحيد في مواجهة الاحتلال والظلم والعدوان.